㋡السلام عليكم و رحمه الله و بركاته ㋡
حصلت هذه القصة أوائل شهر شعبان الماضي ..
تقول قريبتي هذه : كنا جالسات ، وكان أحد الدعاة يلقي محاضرة ، فكنا في قاعة نستمع ..
تقول : بينما نحن جلوس إذ دخلت فتاة ما أعرفها ، فجلست بجانبي ..
فكان الشيخ يتكلم عن قصة ماشطة بنت فرعون ..
سؤال قبل القصة ..
لو خرجنا مع هذا الباب ورأيت رجال قد كبّلوا رجل ، ثم أشعلوا فيه النيران يصطرخ وهو مكبل ..
هل تنام اليوم ؟!..
والله ما تنام ..
مع أنَّ هذا الرجل لا يمت لك بصلة ..
فكان يتكلم عن ماشطة بنت فرعون حينما سألها فرعون : أنا ربك ؟!..
قالت : لا ربي الله الذي خلقني وخلقك ..
فأمر بالجنود ؛ فأشعلوا على القدور العظيمة نيران تتأجج ، والزيت يغلي في القدور ..
فكرر السؤال ..
فكررت الإجابة ..
حولها أطفالها الخمسة فزعين من صوت الزيت والنار ..
فكل منهم قد تشبث بأمه ..
أغمض عينيه والأم تحاول ، ما عندها غير يدين اثنتين ، تحاول أن تحتضن وتضم هؤلاء الخمسة فإذا به يأمر الجنود ؛ فيتحركون ؛ فلما أتوا عندها قام الأطفال يصطرخون ، فيسحبون هذا فتحاول أن تمسكه ..تدفعهم ..
ينزعون الآخر حتى نزعوا واحد يجرونه وهو يبكي ..يلتفت إلى أمه ؛ ساعديني ..
وهي تبكي ، وهو يبكي ، ثم يُحمل هذا الطفل أمام أعين أمه فيُلقى في الزيت ..
لحظات غاب هذا الطفل ..
لحظات أخرى ، وإذا بالعظام تطفو ..
عظامه أمام أعينها وقلبها يحترق ..يفور ..
يسألها وترد نفس الإجابة : ربي الله الذي خلقني وخلقك ..
فيأمر الجنود يتحركون المرة الأخرى ، والمرة الثانية فينزعون الآخر ..
فينزعون الآخر ..يضربهم بيديه الصغيرة ولكن لا محال ..
فيرفع ..
يصطرخ ..
تسمع الصرخة ..
غاب الصوت ..
غاب الطفل ..
وإذا بالعظام تطفو مع عظام أخيه ..
اختلطت عظام هذا بذاك ..
ثابتة ..
الثالث والرابع ..
ما بقي معها إلا رضيع صارت تضمه بكل ما أوتيت من قوة كأنه قطعة منها قد التقم ثديها ، فلما تحرك الجنود تحاول تنطوي عليه ، تُضرب أشد ما يكون الضرب ، ثم تُضرب يدها ويُنزع منها ..
اللبن يتطاير من فمه ، وشعرات أمه في يديه ، تنظر إليهم ؛ دقائق إذا بالخمسة عظام أمامها ..
والله لو ما كانوا أبناءها ما يهونون ..
تتذكر كم كانت تلاعبهم ..
كم ساهرتهم ..
كم ضاحكتهم ..
هم الآن عظام ..
إنه الثبات يوم قال للثابتون والثابتات ..
يقول : أنا ما أقدر أترك الأغاني ..
لا تتركها أبد !!..
هل تظن أن { مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } محتاج أنك تترك الأغاني ..
لو يشاء الله ما أُسمعت حرف ..لا ..
ولا أبصرت بالعينين شر ..
لكن الجبَّار أعطاك الخيار ..
وهذه الدنيا امتحان لا مقر ..
تقول : لما ذكر هذه القصة فلاحظت تصرفات غريبة ..
يدين الفتاة ترتعش ..
فجأة استأذنت بسرعة وخرجت ..
تقول : تبعتها ، فإذا بها قد اتكأت على أحد الجدران تبكي ..
تقول : هدأتها وأقنعتها ورجعنا هناك للمحاضرة ..
فإذا بالشيخ يسترسل ويذكر قصة امرأة فرعون ..
امراة يا رجال !!..
مُكبلة ، تُضرب بالسياط حتى يتكشف اللحم ..
صحيح آلام ..
وصحيح أنها موجعة لكنها علمت { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا }..
على ماذا صبرنا ؟!..
{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } ..
فلما أحست الألم ، وأحست ، عانت ، قالت من كل قلبها { رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ }..
تريد أن تسلي نفسها ..
تُذكر نفسها بأنّّ هناك جنان ..
كما قال ابن كثير : فيفتح الملك ويرفع عنها الحجب ، فإذا بها ترى قصر وترى الأنهار تجري من تحته { َأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ } ، { وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى } ، وولدان مخلدون ، وحلي ، وسندس ، واستبرق ، وحرير ، وجنان ، وثمار ، وطيور ..
فتبسمت ..
نست الضرب ..
جنّ الجنود كيف نضربها وتبتسم ..
قالت : والله إني لأرى منزلتي من الجنة ..
تقول : لما قال الشيخ الجنة ؛ إذا برأس الفتاة يسقط على حجري ..
وبدأت الأنفاس لها زفير ، واللون يتغير ..
تقول : حملناها بسرعة إلى قاعة أخرى ، فإذا بإحداهن تقول لي : اقرأي عليها القرآن .. اقرأي عليها القرآن ..
تقول : والله أنا في وضع لا أُحسد عليه ..
صرت أقرأ عليها ودمعاتي على وجهها خائفة ، وما يزداد النفس إلا صعوبة وما يزداد اللون إلا تغير..
تقول : قالت لي أحداهنَّ همساً في أذني : لقنيها الشهادة ، والله ما أظنها إلا تحتضر ..
تقول والبنت كانت شاخص بصرها إلى السماء ترسل اليد تارة ثم تغضها ، وتغض الطرف تارة وتشخص بالبصر تارة ، واللون يتغير ..
تقول : قلت لها وأنا خائفة ..
قولي : لا إله إلا الله ..
تقول : ما درت علي ..
الثانية ما ترد ..
الثالثة ..
تقول : لما قلت الثالثة فإذا بها ترفع يدها وتصرخ وتقول :
والله ..والله إني لأرى منزلتي من النار ..
والله إني أرى منزلتي من النار ..
₪ الفراشه الخليجيه ₪
هذه إحداهن كانت في المستشفى تتحدث ؛ تتحرك ..
آخر من كشف عليها أنا حين نزعت السماعة من أذني ..
إذا بها تقول بالحرف الواحد : الله يعافيكم شلون التحاليل ؟!..ترى والله ملينا من ذا المستشفى ؛ متى نطلع ؟..
فأرسلنا تحاليلها إلى المختبر في الأرض ..
وأرسل من في السماء {مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ }رسولاً لا يعصي له أمراً ..
ما هي إلا لحظات ..
العينة تُفحص تحت المختبر ..
وملك الموت عندها في الغرفة ..
لحظات ..
وأنا أُقلب في ملفها خارج الغرفة ..
إذا بالممرضة تأتي بسرعة فزعة ..
قالت : تعال شف ..
فلما دخلت الغرفة ..
رأيت فتاة غير التي رأيت ..
التي رأيت قبل قليل تحرك اليدين وتقول ملينا ، ومتى بنطلع ..
هذه الأيادي التي أُرسلت ، ثم أُقبضت والله ما رأيتها إلا تعطلت ..
اللون شاحب ..
والبصر خاشع شاخص ..
الأطراف ممدة ..
والشفاه ترتعش ..
نظرة سريعة لجهاز المراقبة إذا بنبضات القلب كانت 80 – 62 – 45 ..
ضغط الدم ينزل ..
بدأت أرى معالم الفراق على وجهها ..
خشيت أن تُغلق الصحيفة بغير لا إله إلا الله ..
كما أغلقت الصحف من قبلها ..
( 24 ) حالة _ والذي نفسي بيده _ ما قال لا إله إلا الله إلا واحد ..
لا تستغرب الآن ولا تجرب ..
تستطيع الآن أن تقول مليون مرة ..
الموعد ما هو الآن ..
فأسرعت قلت : لا إله إلا الله ..
وإذا بالشفاه ترتعش كأنَّ عليها جبل لا تتزحزح ..ترتعش بلا أحرف ..
كررتها الثانية ..
الثالثة ..
ما بقي إلا عدة نبضات ..
خشيت أن تُغلق الصحيفة بغير لا إله إلا الله ..
أسرعت عند أذنها يا أخوان ولقنتها في المرة هذه تلقين قلت:قولي لا إله إلا الله ..
ولا أحرف تخرج ..
لما كررت عليها ، واشتد النزع ، وإذا بالمرأة تعالج السكرات ..
الحنجرة تدخل وتخرج ..
وإذا بالنزع يشتد ..
فما هو الملك ينزع الروح إلا وبدأت أسمع حشرجة ، وبعض الحروف تخرج ..
كررتها لا إله إلا الله ..
سمعت أحرف ، وصوت متحشرج ..
هل كانت لا إله إلا الله !!..
لا والذي نفسي بيده ..
والروح تُنزع ، والصوت المتحشرج ببيت يُغنى مُلحن بصوت متحشرج ..
وإذا بها تغني بيت حتى لا يدعها تُكمل البيت الثاني إلا والروح قد خرجت من المستشفى ..
ماتت ..
هل تعرف آخر صفحة في السجل ..
في سجل حياتها آخر صفحة ..
غنّت قبل أن تموت ..
تعرض يوم القيامة على الجبار مغنية ..
طبعاً لا نعرف هذا المعنى الآن ..
ها هي الآن لها قرابة السنة تحت الأرض ..
والله لو تصطرخ في كل يوم وتعض الأصابع وتبكي الدم ..
ربي أخرجني ..
والله ما أسمع إلا ما يرضيك ..
ولا أرى إلا ما يرضيك ..
وأقوم الليل ما أنام ..
وأصوم النهار حتى أموت ..
هل ترجع ؟!..
{ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلَـكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ..
₪ الفراشه الخليجيه ₪
تسمعهم حولك ..
يا محمد اتصلت على الإسعاف ..
ركبوه في السيارة ..
{ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ ، وَالْتَفَتِ السَّاقُ بِاْلسَّاقِ ، إِلِى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ }..
من هو ربك الذي اعترفت أنه سميع ..
ربي سميع ..لكن أسمعته ما يبغضه واستهنت بسمعه ..
ربي بصير ..يرى كل شيء { إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ } لكن جعلته يبصرك على ما يبغضه واستهنت ببصره ..
لا ضير ..خزائن السماوات والأرض لن تنقص حتى تتوب ..
والله لا يحتاجنا الجبار{أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }..
ما هو أن تعصو{إِن تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}..
سبحانه ..فلا يحتاجك الجبار ..
فهذا أحدهم في المستشفى معه ابنه مرافق معه ..
لما جاءت سكرة الموت ..
لمَ سماها الله سكرة ؟!..
لأنَّ السكران قبل أن يشرب يقدر يقول لك أنا حافظ القرآن بالقراءات وحافظ الكتب الستة كلها في صدري ..
لكن خله يشرب شوي حتى يفقد عقله ويشتغل الشريط المخزن في العقل فانظر ماذا يقول !!..
لا يدري ..إن كان يغني غنَّى ..
وسكرة الموت أشد ..
فلما هذا الأب كان معه ابنه مرافق { فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ } ..
هل رأيت أحد تبلغ عنده الحلقوم !!..
هل رأيت ضعفه بعد القوة !!..
هل رأيته ينظر إلى قدميه التي جالت به الميادين سنين ، يريد أن يحرك أصبع ما يتحرك !!..
ما فيه روح ..بلغت هنا ..
يريد أن يرفع يده حتى يراه الملك الجبار وهو يختم بلا إله إلا الله ، لكن اليد ما تتحرك ..
الروح هنا ..
فرأى الابن الأب تغيرت أحواله ..
اللون شاحب ..
بصر الأب شاخص ..
يرتعش ..
فجاة تجمد القدمين ..
يُعالج ..
الابن صحيح يستطيع أن يعطيه ماء ..
صحيح يستطيع أن ينظفه ..
صحيح يستطيع أن يمسح رأسه ..
قال { فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ..ما يستطيع !!..
{ فَلَوْلَا إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ، تَرْجِعُونَهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ..
فعلم الابن انه ما يستطيع ان يقدم لأباه أي شيء ..
فأسرع بلا إله إلا الله ..
الأب ما يرد ..
قبل قليل يتكلم !!..
الثانية ..
ما كأن الأب يسمع ..
الثالثة ..
والابن عينه تلمع من الدموع ..
قال بالحرف الواحد : يبه قل لا إله إلا الله ..
التفت الأب قال : يا ولدي والله إني أعرف معناها ودي أقولها لكني ما أقدر
{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } ..
{ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ ..} ..
كأنَّ الموت قد نزلا *** ففرق بيننا عجلا
كفا بالموت موعظة *** ومعتبراً لمن عقلا
ألا يا ذاكر الأمل *** الذي لا يذكر الأجلا
وما تنفك من مثل *** لسمعك ضارب مثلا
وحيلتك التي للموت *** في أن تحسن العملا
الشيخ عبدالمحسن الاحمد